الجمعة، 19 يوليو 2013

مزار الاربعين في تكريت الموقع و التاريخ

تنفرد مدونة تكريت بنشر مقالات عن مزار الاربعين في تكريت و آثار تاريخيه اخرى ..
هذه المقالة منقولة من كتاب " موسوعة مدينة تكريت "  نصاً مع تعديلات بسيطة في مواضع الفوارز و علامات الترقيم

الأربعين – الموقع و التاريخ
الأستاذ الدكتور عيسى سليمان حميد
تقع عَمارة الاربعين على مسافة لا تزيدُ على ثلاثمائة مترٍ عن سور مدينة تكريت , الى يسار طريق بغداد – الموصل الذي أنشا على جزء من السور و يَفصِلُ البناء عن المدينة مقبرة واسعة بعض الشئ في جنوب غرب تكريت . و الشائع بين اهل البلدة ان البناء يضم رفاة اربعين شهيداً أستشهدوا في معركة تحرير تكريت في عهدِ الخليفة عمر بن الخطاب (رَضِيَ أللهُ عنهُ ) سنة 16 هـ / 637 م و كان بينهم عمروْ بن جنادةَ الغفاريْ مولى الخليفة عمرُ بن الخطاب (رَضِيَ أللهُ عَنهُ) .
و من هذا العدد من الشهداء إشْتُقَ إسم الضريحِ . و يَذكُرُ أهل البلدةِ هذهِ القِصةَ بأستمرار . و الحقيقة أنه لم تَذكُر كتبُ التاريخِ و الرحلات و التراجم أشياء مهمة تُؤشر تاريخَ العمارَةِ او المعروفين فيها , و يَخلوْ البِناءُ ايضاً من أي كِتاباتٍ تذكاريةٍ قَد تُساعِدُ على تَحديدِ تاريخِهِ عَدا بعضَ كلماتٍ سَجلها أحد الزوار عام 660 هـ / 1262 م .

و ما تَزال كِتاباتُ بَعضِ الرَحالَةِ الأوربيينَ المُهتَمينَ بالآثارِ العربيَةِ و الاسلاميَةِ و التي تِعودُ مُعَظُمها الى بدايةِ القرن الحالي هي أقدمُ ما كُتِبَ عَنه فَقد وَصفوه و رَسموا تَخطيطيا لِبعض أَقسامِهِ و صَوَروا الشاخِصَ منها .

تَهدمت مُعظم أجزاء البِناء عَدا بَعض الغرف و لا سيما  تِلكَ التي تَضُمُ القَبرَ و مجاوِرَتَها اللتينِ تَعلوهما قُبتانِ نصف كرويتينِ مدببتينِ . و تنبهت مُديرية الآثار العامة الى أهمية هذه العمارة بين عمارات الحضارةِ العربيةِ الأسلاميةِ فَأَوفدت عام 1964 بعثة اثارية قادها الأستاذ د.عبد العزيز حميد لتحري الموقع و اظهار ما تَبَقى من البناء , ثم العمل على صِيانة الأَجزاء المهمة مِنه . و أنجزت البعثة خلال شهورٍ معدودةٍ مَهمتها فَكشفت عن سائرِ أَجزاءِ البناءِ وَ أَزاحت الانقاضَ عَنها ثُم رَسَمت تَخطيطه بدقة , و قَامت بصيانة بعض أقسامه فَحمتها من عوامل التخريبِ الطبيعيةِ . و بعدَ سنوات قامت المديرية بأرسال بعثةٍ اخرى أكملت صيانة أجزاء مهمة من العمارة .

 التخطيط  :

البناء مُربع الشكلِ طول ضلعه 47 متراً و تُقابل أركانَهُ الجهات الأربع . وُزعت مرافق البناء على كامل الجدران , تطل على مساحةٍ مستطيلة الشكل وآسعة بعض الشئ أبعادها 36,5 متر من الشمالِ الى الجنوب , 35.5 متر من الشرقِ الى الغرب .

و هناك آثار جدار بأمتداد جدار القبلة خارج البناء فيه آثار محراب و يُحتمل إنه من بَقايا مُصلى صَيفي مَكشوف مُلحق بالبناء الأساسي . و رُبما يُساعد تَخطيطُ البناء (مخطط 1 "1 هامش : ان هذا المخطط و الرسوم التخطيطية الاخرى مقتبسة من بحث الاستاذ الدكتور عبد العزيز حميد في مقالة عمارة الاربعين في تكريت سومر مجلد 21 , 1965 ." ) على مَعِرَفة الوظيفة الأساسية لَه فَمخطط البناء يَتألف من مُخطط المسجِدِ و عَدد من  الغرف و القاعات و الأواوين و مدخل , مما يدل على ان لَهُ أَكثر من وظيفة كان يؤديها أَيام عِزِهِ .
يشغل المخطط اهم غرفتين في البناء في الركن الجنوبي و الغربي منه . و هما مربعتان طول ضلع كل منها خمسةُ امتارٍ من الداخِلِ . و تلاصِقهما غرفة اخرى من جهة الشمال الغربي اوسع من كل منهما بقليل .

و يجاور هذه الغرفة ايوانٌ مفتوحٌ على الصحنِ يقابلُهُ ايوانٌ اخر في الضلع المقابل و الى جوار الايوان أربع غرف ببابين يُطلانِ على الصحنِ ايضا و ينتهي هذا الجدار بغرفة مربعة تحتل الركن الشمالي . اما جدار القبله فيشغله مخطط مسجد يتألف من مصلى يمتد من مخطط غرفة الضريح الى غرفة اخرى مربعة تتصل بالمسجد المستطيل بباب ينفتح على المصلى .
 و تشغل هذه الغرفة الركن الجنوبي الشرقي . و الى جوار هذه الغرفة هناك غرفتان تتناظران مع غرفتين تقابلهما على الجدار الشمالي الغربي و يجاور هاتين الغرفتين ايوان يقابل ايوانا اخر في الجدار المقابل اما مدخل البناء فيقع الى شرق الأيوان و تبرز واجهته على مستوى تخطيط هذا القسم .
وَ يَلتَصق بالمدخل من الجهة الشرقية عددٌ من الغُرف تَنتهي بغرفة مستطيلةٍ امامها بئر تشغل الركن الجنوبي الشرقي و على امتداد الجدار الشمالي ثماني فُتحات متساوية في العرض و العمق .

البناء :

شُيد معظم البناءِ بالحصى و الجص إلا أجزاء قليلة منه شُيدت بطابوق و جص . و كُسِيَ البناء كله بطبقة من الجص سميكةٍ نسبيا بعض الشئ . و البناء على نحو عام متين و بخاصة الغرفتان المهمتان فهما بجدران سميكة و ارتفاع متين يبلغ و عشرة أمتار ( لوح 1 ) . و يشغل الغرفة الركنية منهما قبر ضخم طُولُهُ ثلاثةَ أمتارٍ و عُرضه مِتران و يَرتَفِع على مستوى الارض بنحو مترٍ و نصف و الاعتقاد السائد إنه قبر عمرو بن جُنادةَ الغفاريْ .
و يرتفع بناء الغرفة بشكل هرمي بسيط ينتهي بقبة نصف كروية واضحة التدبب يعلوها من الخارج نتوء هرمي قصير , و قد حاول المعمار اخفاء الانتقال من الشكل المربع الى الشكل الدائري الذي تتركز عليه القبة عن طريق تطويل مرحلة الانتقال او الرقبة .
و تسقف الغرفة المجاورة المشابهه قبة ايضا . و تمثلان هاتان القبتان المتجاورتان ظاهرة معمارية مهمة في تاريخ العمارات العربية الأسلامية , و لا يزيد ارتفاع كل من القبتين المتشابهتين على خمسة امتار و تخلو أي هاتان القبتان من أي تحليات او تشكيلات زخرفية من الخارج عدا بعض النوافذ لادخال النور إليهما .

اما من الداخِلِ فقد اهتم المعمار بتحلية غرفة القبر بحنايا و مشاكٍ ذوات عقود  مدببة و مفصصة . و يتوسط  جدار القبلة في هذه الغرفة محراب (مخطط 2) فريد من نوعه في محاريب العراق . تشغل حنية المحراب و ملحقاته ثلث وجه الجدار من الخارج . و يتوج المحراب عقد مفصص يرتكز طرفاه على اعمدة شبه اسطوانية مندمجة و تقع حنية المحراب هذه داخل حنية عقدها مدبب يستند طرفاه الى اعمدة مزدوجة شبه اسطوانية ايضا .
و تشغل بقية جدران حنيتان احداهما الى يسار المحراب و الثانية الى يمينه و يتوج كلا منهما عقد مدبب .
و تتناظر هذه التشكيلة من الحنيات مع مثيلات لها على الجدار المقابل و لكن الوسط فيها عبارة عن باب يربط بين الغرفتين و يقابله باب آخر يؤدي الى الغرفة المجاورة . و تمتد هذه الحنايات الى غرفة القبر على الجدراين الاخرين , و لكن الوسطى في الجدار الجنوبي الشرقي جعلت مدخلا يوصل الى غرفة القبر بالمسجد .
و يتوج هذه الحنايا و فوق العقود مباشرة صف من مشاك صغيرة بعض الشئ ذوات عقود مفصصة محاريه يبلغ عددها سبعا في كل جدار . و ترتكز اطراف عقودها على اعمدة شبه اسطواني مندمجة (مخطط 3) .
و اتبع المعمار صيغة الاعتماد على الحنايا الركنية لتحويل القسم العلوي من الغرفة المربعة الى شكل مثمن لتهيئة قاعدة دائرية للقبة .
و شغل المعمار المسافة بين كل من هاتين الحنيتين بمشاكٍ بمستوى ارتفاع الحنايا الركنية . و كما ذكرنا زاد المعمار في ارتفاع المرحلة الانتقالية لغرض التناسق و التدرج بين القاعدة المربعة و القبة المدببة .
و يلاحظ ان الغرفة المجاورة لغرفة القبر قد خلت الاقسام السفلى منها من جدرانها من التشكيلات العمارية و الزخرفية . عدا حنية الباب الذي يربط بين الغرفتين فله عقد مفصص .
اما الاقسام العليا من الجدران فقد زينت بزخارف فصية و مشاك محدودة ذوات عقود مفصصة يتوجها شريط من مشاكٍ محدودة عددها ست في كل جدار . عقودها مفصصة محارية ترتكز اطرافها على اعمدة شبه اسطوانية مندمجة و يلي هذا الشريط من التحليات المرحلة الانتقالية و نفذت هذه التشكيلات في هاتين الغرفتين على طبقة سميكة ممن الجص .
و قبة الغرفة الثانية نصف كروية مدببة ايضاً  مثل اختها . و لاجل المحافظة على الشكل الهرمي قام المعمار بلم البناء صعودا بمقدار اربع درجات في المتر , و قد ادى هذا اللم الى ابتعاد جداري الغرفتين المتجاورتين في المكان الذي يلتصق كل منهما بالاخرى و عالج المعمار هذه الحالة بتسقيف الفاصل بقبو نصف اسطواني عندما صار خط الافتراق واضحا .
اما بقية الابنية فقد فعلت عوامل التخريب الطبيعية فعلتها فأتت على سقوفها و الاقسام العليا من جدرانها فتراكمت الانقاض فوق ما بقي من معالم البناء . و كشفت التحريات عن ارتفاع الجدران فكانت ما بين مترن الى ثلاثة امتار حيث ظهرت معالم البناء كاملة .

المسجد :

يعد مسجد الاربعين اهم ما كشفت عنه التحريات . و يكشف تخطيطه و عناصره المعمارية و تشكيلاته الزخرفية عن مكانة متميزة بين مساجد العراق . فهو يمتد على طول الجدار الجنوبي الغربي و يشغل كامل المسافة بين غرفة الضريح و اخرى تناظرها في المساحة تحتل الركن الجنوبي الشرقي .
و المسجد هذا مستطيل الشكل طوله من الشمال الى الجنوب 17.60 مترا و عرضه 7.60 مترا و مجنبتين متناظرتين طول كل منهما عشرة امتار (لوح 2 ) و مصلى المسجد بلاطه واحدة مستطيلة يتوسطها المحراب . و ما تبقى منها , و بخاصة الحنايا الركنية , يشير الى وجود قبة كانت تسقف كل بلاطة المحراب . و هذه القبة بداية لنوع جديد من تسقيف بلاطة المحراب بقبة .. و يتوسط بيت الصلاة هذا محراب جميل يشبه تكوين محراب غرفة القبر و زخرفته  (مخطط 4 ) عقدة محاري مفصص تؤطره و المحراب حنية ذات عقد مدب يستند طرفاه الى زوج من الاعمدة شبه اسطوانية مندمجة . و على كوشات العقود و باطن الحنية الكبرى تشكيلات من زخارف نباتية محفورة على الجص بطريقة مائلة و هناك أيضا بقايا مشاكٍ . و حنايا تزين أعلى جدران بيت الصلاة و توصل بين بيت الصلاة هذا و كل من المجنبتين فتحتان ذات عقود مدببة . و يلاحظ وجود ثلاثة محاريب غير عميقة في المجنبة اليمنى و محرابين في المجنبة اليسرى .
و الدخول الى المسجد يكون من ستة مداخل توصله بباحة البناء , و يؤدي اثنان من هذه المداخل الى بيت الصلاة و هما متناظران يحصران بينهما حنية تقع على الخط المحوري للمحراب الرئيس و الظاهر انه محراب صيفي . و تتناظر ايضا مداخل المجنبة اليمنى و المجنبة اليسرى ( لوح 3 ) .
و تشغل الركن الجنوبي الشرقي من جدار القبلة غرفة نربعة تناظر غرفة القبر مساحةً و يحتمل انها كانت مسقوفة بقبة و يمكن الدخول اليها من مجنبة المسجد اليسرى و لها باب اخر يتوسط جدارها الشرقي و يؤدي الى غرفة مستطيلة تقابل غرفتين على الجدار الشمالي الغربي , و يمكن الدخول الى هذه الغرفة من بابين يطلان على الصحن و تحت هذه الغرفة سرداب .و يجاور هذه الغرفة من الشرق ايوان مفتوح يقابل ايوانا في الجدار المقابل . و اهم الابنية في هذا القسم هو مدخل العمارة و البناء الذي يجاور الايوان من جهة اليسار و الذي يختلف عن الايوان في التكوين العماري و العناصر العمارية و الزخرفية و لكنه يتقارب معه في المساحة  .

و يتوسط الايوان مدخل البناء . و المدخل بهيئة بهو عرضة ثلاثة امتار و عمقه خمسة أمتار . و يتسم ببروز واجهته الخارجية من مستوى وجه الجدار و تدعمهما دعامتان مستطيلتان فخمتان بعض الشئ . و يظهر أنهما كانتا تحملان سقف مظلة تتقدم المدخل .
( لوح 4 ) و عقد المدخل مدبب مطول يستند طرفاه الى أعمدة ذات اشكال معينة , و تحف بالبهو دكتان من اليسار و اليمين , و تشغل جوانبه حنايا ذوات عقود مفصصة و محارية تستند اطرافها الى اعمدة منفردة و زوجية مندمجة , و تزين اجزاء من جدران البهو زخارف نباتية جميلة محفورة على الجص . و يقود البهو الى الصحن و عن طريق مدخل عقدة مدبب مطول يشبه تماماً عقد بداية البهو . و قامت هيئة فنية في مديرية الآثار العامة قبيل سنوات بعقد سقف هذا البهو بهيئة نصف اسطوانية مدببة قليلاً .
و مما تجدر الاشارة اليه ان عقود المداخل التي تطل على الصحن و التي تهدمت جميعها تستند اطرافها الى اعمدة شبه اسطوانية مندمجة فردية احيانا و زوجية احيانا أخرى .
اما ابنية يسار المدخل فتتألف من اربع غرف ثلاث منها صغيرة تتصل كل منها بالصحن بباب مستقل و تتصل بعضها بأبواب اخرى ..
و يوجد امام البناء النهري الذي يشغل الركن الشرقي بئر . و يظهر ان هذا اللقسم مخصص للخدمات , من طبخ و استحمام و غيرها .


اما ابنية الجدار الشمالي فتختلف عن بقية الابنية فهي تتألف من عدة دعامات مستطيلة لا تبرز كثيرا عن مستوى وجه الجدار و تبلغ المسافة بين دعامة و أخرى نحو مترين و نصف و جعلت الاقسام السفلى منها بهيئة دكات ترتفع 70 سنتمتراً على مستوى وجه الارض و يحتمل جداً انها دكات جلوس .

نعود الى وصف الغرف المشيدة لصق الجدار الشمالي الغربي فهناك فهناك غرفة مربعة تجاور غرفتي المشهد  و يمكن الدخول اليها من باب تطل على الصحن و اخرى تربطها بالغرفة المجاورة لغرفة القبر و يجاو هه الغرفة ايوان يناظر الجدار الجنوبي الشرقي كما ذكرنا بعرض اربعة امتار و الى اليسار قاعة تتألف من ثلاث غرف تنفتح على الصحن ببابين و يبلغ طولها 13 متراً و تنتهي ابنية هذا القسم بغرفة مربعة تحتل الركن الجنوبي الشمالي و تتطابق تماماً في المساحة و الشكل مع غرفة القبر و يحتمل جدا انها كانت مسقوفة بقبة و يكون الدخول اليها من الصحن مباشرة .

و السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو ما هوية هذا البناء ؟
 هل هو مدرسة أم مشهد ؟
 و ما تاريخه ؟

ان تخطيط البناء و طرازه المعماري يؤشر اسلوب البناء الذي انتشر في العراق قبل الاسلام و زاد الاقبال عليه في العصور الاسلامية , و نعني بذلك صحنا تحيط به الابنية من جميع الجوانب و تنفتح عليه بأبواب مباشرة . اما عناصره المعمارية و تشكيلاته الزخرفية فأنها تظهر شبهه بطراز مشهد مجمد الدوري الذي شيد ما بين 478 هـ / 1085 م , 493 هـ / 1100 م .

فغرفة القبر التي تجاورها شبه الهرمين هي استمرار لغرفة القبر في مشهد الامام محمد الدوري و كذلك العناصر الزخرفية و العمارية .
ان وجود قبر فخم في غرفة مهمة يؤكد ان البناء مَشهدٌ اُقيمَ احتراماً و تمجيداً لأربعين شهيدٍ سقطوا في تحرير تكريت عام 16 هـ / 637 م . . و يُحتمل ان احد حكام مدينة تكريت قد أعادَ بناءَ المشهَدِ و جَعَلَه مدرسة , في الوقت نفسِهِ لتدريسِ عُلومِ الدينِ إذ يوضِحُ هذه الحالة تَخطيط البناء على نحو عام ففيه مسجدٌ مهمٌ جداً و عدد من الغرف لا يَزيدُ على عشرِ غرفٍ لامور التدريس ثم أيوانان مُتقابلانِ يُؤكِدانِ الغايَةَ من تشييدِ هذا البناء و يَقودُنا ذلك الى القولِ ان البناءَ هو مشهدٌ و مدرسةٌ في الوقتِ نفسِهِ و هناك امثلة كثيرة في تاريخ العمارة العربية الاسلامية لمثل هذه الحالة .
و قبل بحث تاريخ البناء تجدر الاشارة الى العناصر المعماريةِ و الزخرفيةِ في هذا البناء فالـقبتانِ المتجاورتانِ عنصر جديد في هذا المجال اضافة الى ذلك جمع المعمار جملة من العناصر المعمارية التي سادت و انتشرت قبل بناء الاربعين فطور بعضها و ابدع و اضاف اليها قباباً كرويةً مدببةً و عقوداً مفصصة و مدببة مطولة و حنايا محارية و مشاكي بهيئة شموع و محارب فخمة جميلة و حنايا بهيئة مقرنصات و أعمدة شبه اسطوانية مفردة تارة و مزدوجة تارة اخرى . كُلها جمعت في بناء واحد و بصورة متناسقة و جميلة .
و لم يفت المعمار تحلة البناء بتشكيلت زخرفية تتألف من اغصان نباتية تلتف و تنتي بأنصاف مراوح نخيلية حفرت على طبقة من الجص و بطريقة مآئلة و تم استخدام بعض العناصر المعمارية لاغراض زخرفية .

ان مقارنة العناصر المعمارية , مثل الحنايا المحارية و المحاريب ذات العقود المفصصة و القبة الهرمية و التشكيلات الزخرفية ذات الحفر المائل بما هو معروف منها في ضريح الامام محمد الدوري و غيره من الابنيه التي تعود الى فترة بناء هذا الضريح يكشف بوضوح ان بناء الاربعين قد شيد في الربع الاخير من القرن الحادي عشر الميلادي . و توصل الى ذلك كل المتخصصين في العمارة العربية الاسلامية , و مما اكد هذا الاحتمال الاكتشاف الذي وجده الاستاذ الدكتور عبد العزيز حميد في ذريح حماد في محافظة التأميم ( كركوك ) قرب ناحية الحويجة و هذا الضريح مؤرخ من الربع الاخير من القرن الخامس الهجري , و هناك تشابه واضح جدا في المحراب و الحنايا المحارية في هذا الضريح مع محراب ضريح الاربعين و حناياه , و المشار اليه في المبحث اللاحق .
و تجدر الاشارة هنا الى احتمال وجود اكثر من مدرسة في تكريت فقد ورد نص يذكر " مدرسة همامية " نِسبَةً الى همام الدين تبر بن علي أمير تكريت المتوفى سنة 578 هـ / 1182 م . و جاء اسم هذه المدرسة في ترجمة حياة  فخر الدين ابي المكارم عيسى بن مودود بن علي بن عبد الملك بن شعيب التكريتي صاحب القلعة الذي قُتِلَ عام 584 هـ / 1188 م  . و دُفِنَ بالمدرسة الهمامية .
و معروف عن عيسى هذا أن لَهُ شعراً حسناً و له رَسائِلَ مَطبوعة و قد كان كريماً سَمحاً و بعد مقتله سَلَمَ أَحَدَ أخوتِهِ القَلعة الى الخليفة العباسي الناصر لدين الله عام 585 هـ / 1189 م . و كان عيسى هذا إبن أخ همام الدين تبر و زوجَ أبنته . و سوف نوضح هذا في المبحث الآتي .

و هناك قَضية مهمةٌ أخرى في بناء الاربعين هي تخطيط مسجده و بناؤه , فنجد في هذا المسجد اقدم مثل القبة تغطي المصلى فيه , و ينفتح المصلى فيهِ على مجنتين بعقدين لكل منهما .
و نرى هذه الصيغة في جامع مجاهد الدين قيماز في الموصل الذي انشأ عام  576 هـ / 1180 م . اي بعد مسجد الاربعين بنحو قرن .

مصادر البحث :

1 – ابن الأثير ( محمد بن محمد بن أحمد القرشي ) , الكامل في التاريخ , ج 14 , القاهرة 1377 هـ / 1957 م .
2 – حميد ( د. عبد العزيز ) , عمارة الاربعين في تكريت في ضوء حضائر مديرية الآثار العامة , سومر مجلد 21 , 1965 م .
3 – سلمان ( د. عيسى ) مشاهد و ترب , في حضارة العراق , ج 9 , بغداد 1985 م .
4 – سلمان ( د. عيسى ) عبد الخالق ( هناء ) العزي ( نجلة ) يونس ( نجاة ) , العمارات العربية الاسلامية في العراق , كويت 1982 م .

5 – ابن الفوطي ( عبد الرزاق ابن احمد ) , تلخيص مجمع الآداب في معجم الانصاب , تحقيق مصطفى جواد  , دمشق 1965 م , القسم الثالث , الجزء الرابع , ص 275 – 276 .

لوح 1 : غرفة القبر و مجاوراتها قبل اكمال اعمال البناء في سنة 1994 / تكريت


لوح 2 / واجهة مسجد الاربعين و محرابه قبل الصيانة / تكريت
لوح 3 . الاربعين بعد الصيانة / تكريت 
لوح 4 : مدخل بناء الاربعين قبل اكمال صيانته و ترميمه عام 1994 / تكريت
مخطط 1 : تخطيط بناء الاربعين 

مخطط 2 : محراب مسجد الاربعين / تكريت 
مخطط 3 : التشكيلات الزخرفية و العمارية التي تزين غرفة القبر و مجاورتها من الداخل/تكريت 
 مخطط 4 : محراب المسجد و التشكيلات الزخرفية التي تزين بيت الصلاة فيه / تكريت


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اكتب رأيك او اضافتك هنا

يتم التشغيل بواسطة Blogger.