تنفرد مدونة تكريت بنشر مقالات عن مزار الاربعين
في تكريت و آثار تاريخيه اخرى ..
هذه المقالة منقولة من كتاب " موسوعة
مدينة تكريت " نصاً مع تعديلات بسيطة
في مواضع الفوارز و علامات الترقيم
الأربعين – الموقع و التاريخ
الأستاذ الدكتور عيسى سليمان حميد
تقع عَمارة الاربعين على مسافة لا تزيدُ على
ثلاثمائة مترٍ عن سور مدينة تكريت , الى يسار طريق بغداد – الموصل الذي أنشا على
جزء من السور و يَفصِلُ البناء عن المدينة مقبرة واسعة بعض الشئ في جنوب غرب تكريت
. و الشائع بين اهل البلدة ان البناء يضم رفاة اربعين شهيداً أستشهدوا في معركة
تحرير تكريت في عهدِ الخليفة عمر بن الخطاب (رَضِيَ أللهُ عنهُ ) سنة 16 هـ / 637
م و كان بينهم عمروْ بن جنادةَ الغفاريْ مولى الخليفة عمرُ بن الخطاب (رَضِيَ أللهُ
عَنهُ) .
و من هذا العدد من الشهداء إشْتُقَ إسم الضريحِ . و يَذكُرُ أهل البلدةِ هذهِ القِصةَ بأستمرار . و الحقيقة أنه لم تَذكُر كتبُ التاريخِ و الرحلات و التراجم أشياء مهمة تُؤشر تاريخَ العمارَةِ او المعروفين فيها , و يَخلوْ البِناءُ ايضاً من أي كِتاباتٍ تذكاريةٍ قَد تُساعِدُ على تَحديدِ تاريخِهِ عَدا بعضَ كلماتٍ سَجلها أحد الزوار عام 660 هـ / 1262 م .
و من هذا العدد من الشهداء إشْتُقَ إسم الضريحِ . و يَذكُرُ أهل البلدةِ هذهِ القِصةَ بأستمرار . و الحقيقة أنه لم تَذكُر كتبُ التاريخِ و الرحلات و التراجم أشياء مهمة تُؤشر تاريخَ العمارَةِ او المعروفين فيها , و يَخلوْ البِناءُ ايضاً من أي كِتاباتٍ تذكاريةٍ قَد تُساعِدُ على تَحديدِ تاريخِهِ عَدا بعضَ كلماتٍ سَجلها أحد الزوار عام 660 هـ / 1262 م .
و ما تَزال كِتاباتُ بَعضِ الرَحالَةِ الأوربيينَ
المُهتَمينَ بالآثارِ العربيَةِ و الاسلاميَةِ و التي تِعودُ مُعَظُمها الى بدايةِ
القرن الحالي هي أقدمُ ما كُتِبَ عَنه فَقد وَصفوه و رَسموا تَخطيطيا لِبعض أَقسامِهِ
و صَوَروا الشاخِصَ منها .
تَهدمت مُعظم أجزاء البِناء عَدا بَعض الغرف
و لا سيما تِلكَ التي تَضُمُ القَبرَ و
مجاوِرَتَها اللتينِ تَعلوهما قُبتانِ نصف كرويتينِ مدببتينِ . و تنبهت مُديرية
الآثار العامة الى أهمية هذه العمارة بين عمارات الحضارةِ العربيةِ الأسلاميةِ فَأَوفدت
عام 1964 بعثة اثارية قادها الأستاذ د.عبد العزيز حميد لتحري الموقع و اظهار ما تَبَقى
من البناء , ثم العمل على صِيانة الأَجزاء المهمة مِنه . و أنجزت البعثة خلال شهورٍ
معدودةٍ مَهمتها فَكشفت عن سائرِ أَجزاءِ البناءِ وَ أَزاحت الانقاضَ عَنها ثُم رَسَمت
تَخطيطه بدقة , و قَامت بصيانة بعض أقسامه فَحمتها من عوامل التخريبِ الطبيعيةِ .
و بعدَ سنوات قامت المديرية بأرسال بعثةٍ اخرى أكملت صيانة أجزاء مهمة من العمارة
.
التخطيط :
البناء مُربع الشكلِ طول ضلعه 47 متراً و تُقابل
أركانَهُ الجهات الأربع . وُزعت مرافق البناء على كامل الجدران , تطل على مساحةٍ
مستطيلة الشكل وآسعة بعض الشئ أبعادها 36,5 متر من الشمالِ الى الجنوب , 35.5 متر
من الشرقِ الى الغرب .
و هناك آثار جدار بأمتداد جدار القبلة خارج
البناء فيه آثار محراب و يُحتمل إنه من بَقايا مُصلى صَيفي مَكشوف مُلحق بالبناء
الأساسي . و رُبما يُساعد تَخطيطُ البناء (مخطط 1 "1 هامش : ان هذا المخطط و الرسوم التخطيطية الاخرى
مقتبسة من بحث الاستاذ الدكتور عبد العزيز حميد في مقالة عمارة الاربعين في تكريت سومر
مجلد 21 , 1965 ." ) على مَعِرَفة الوظيفة الأساسية لَه فَمخطط
البناء يَتألف من مُخطط المسجِدِ و عَدد من الغرف و القاعات و الأواوين و مدخل , مما يدل
على ان لَهُ أَكثر من وظيفة كان يؤديها أَيام عِزِهِ .
يشغل المخطط اهم غرفتين في البناء في الركن
الجنوبي و الغربي منه . و هما مربعتان طول ضلع كل منها خمسةُ امتارٍ من الداخِلِ .
و تلاصِقهما غرفة اخرى من جهة الشمال الغربي اوسع من كل منهما بقليل .
و يجاور هذه الغرفة ايوانٌ مفتوحٌ على الصحنِ
يقابلُهُ ايوانٌ اخر في الضلع المقابل و الى جوار الايوان أربع غرف ببابين يُطلانِ
على الصحنِ ايضا و ينتهي هذا الجدار بغرفة مربعة تحتل الركن الشمالي . اما جدار
القبله فيشغله مخطط مسجد يتألف من مصلى يمتد من مخطط غرفة الضريح الى غرفة اخرى
مربعة تتصل بالمسجد المستطيل بباب ينفتح على المصلى .
و تشغل هذه الغرفة الركن الجنوبي الشرقي . و الى جوار هذه الغرفة هناك غرفتان تتناظران مع غرفتين تقابلهما على الجدار الشمالي الغربي و يجاور هاتين الغرفتين ايوان يقابل ايوانا اخر في الجدار المقابل اما مدخل البناء فيقع الى شرق الأيوان و تبرز واجهته على مستوى تخطيط هذا القسم .
و تشغل هذه الغرفة الركن الجنوبي الشرقي . و الى جوار هذه الغرفة هناك غرفتان تتناظران مع غرفتين تقابلهما على الجدار الشمالي الغربي و يجاور هاتين الغرفتين ايوان يقابل ايوانا اخر في الجدار المقابل اما مدخل البناء فيقع الى شرق الأيوان و تبرز واجهته على مستوى تخطيط هذا القسم .
وَ يَلتَصق بالمدخل من الجهة الشرقية عددٌ من
الغُرف تَنتهي بغرفة مستطيلةٍ امامها بئر تشغل الركن الجنوبي الشرقي و على امتداد
الجدار الشمالي ثماني فُتحات متساوية في العرض و العمق .
البناء :
شُيد معظم البناءِ بالحصى و الجص إلا أجزاء
قليلة منه شُيدت بطابوق و جص . و كُسِيَ البناء كله بطبقة من الجص سميكةٍ نسبيا
بعض الشئ . و البناء على نحو عام متين و بخاصة الغرفتان المهمتان فهما بجدران
سميكة و ارتفاع متين يبلغ و عشرة أمتار ( لوح 1 ) . و يشغل الغرفة
الركنية منهما قبر ضخم طُولُهُ ثلاثةَ أمتارٍ و عُرضه مِتران و يَرتَفِع على مستوى
الارض بنحو مترٍ و نصف و الاعتقاد السائد إنه قبر عمرو بن جُنادةَ الغفاريْ .
و يرتفع بناء الغرفة بشكل هرمي بسيط ينتهي
بقبة نصف كروية واضحة التدبب يعلوها من الخارج نتوء هرمي قصير , و قد حاول المعمار
اخفاء الانتقال من الشكل المربع الى الشكل الدائري الذي تتركز عليه القبة عن طريق
تطويل مرحلة الانتقال او الرقبة .
و تسقف الغرفة المجاورة المشابهه قبة ايضا .
و تمثلان هاتان القبتان المتجاورتان ظاهرة معمارية مهمة في تاريخ العمارات العربية
الأسلامية , و لا يزيد ارتفاع كل من القبتين المتشابهتين على خمسة امتار و تخلو أي
هاتان القبتان من أي تحليات او تشكيلات زخرفية من الخارج عدا بعض النوافذ لادخال
النور إليهما .
اما من الداخِلِ فقد اهتم المعمار بتحلية
غرفة القبر بحنايا و مشاكٍ ذوات عقود
مدببة و مفصصة . و يتوسط جدار
القبلة في هذه الغرفة محراب (مخطط 2) فريد من نوعه في محاريب العراق
. تشغل حنية المحراب و ملحقاته ثلث وجه الجدار من الخارج . و يتوج المحراب عقد
مفصص يرتكز طرفاه على اعمدة شبه اسطوانية مندمجة و تقع حنية المحراب هذه داخل حنية
عقدها مدبب يستند طرفاه الى اعمدة مزدوجة شبه اسطوانية ايضا .
و تشغل بقية جدران حنيتان احداهما الى يسار
المحراب و الثانية الى يمينه و يتوج كلا منهما عقد مدبب .
و تتناظر هذه التشكيلة من الحنيات مع مثيلات
لها على الجدار المقابل و لكن الوسط فيها عبارة عن باب يربط بين الغرفتين و يقابله
باب آخر يؤدي الى الغرفة المجاورة . و تمتد هذه الحنايات الى غرفة القبر على
الجدراين الاخرين , و لكن الوسطى في الجدار الجنوبي الشرقي جعلت مدخلا يوصل الى
غرفة القبر بالمسجد .
و يتوج هذه الحنايا و فوق العقود مباشرة صف
من مشاك صغيرة بعض الشئ ذوات عقود مفصصة محاريه يبلغ عددها سبعا في كل جدار . و
ترتكز اطراف عقودها على اعمدة شبه اسطواني مندمجة (مخطط 3) .
و اتبع المعمار صيغة الاعتماد على الحنايا
الركنية لتحويل القسم العلوي من الغرفة المربعة الى شكل مثمن لتهيئة قاعدة دائرية
للقبة .
و شغل المعمار المسافة بين كل من هاتين
الحنيتين بمشاكٍ بمستوى ارتفاع الحنايا الركنية . و كما ذكرنا زاد المعمار في
ارتفاع المرحلة الانتقالية لغرض التناسق و التدرج بين القاعدة المربعة و القبة
المدببة .
و يلاحظ ان الغرفة المجاورة لغرفة القبر قد
خلت الاقسام السفلى منها من جدرانها من التشكيلات العمارية و الزخرفية . عدا حنية
الباب الذي يربط بين الغرفتين فله عقد مفصص .
اما الاقسام العليا من الجدران فقد زينت
بزخارف فصية و مشاك محدودة ذوات عقود مفصصة يتوجها شريط من مشاكٍ محدودة عددها ست
في كل جدار . عقودها مفصصة محارية ترتكز اطرافها على اعمدة شبه اسطوانية مندمجة و
يلي هذا الشريط من التحليات المرحلة الانتقالية و نفذت هذه التشكيلات في هاتين
الغرفتين على طبقة سميكة ممن الجص .
و قبة الغرفة الثانية نصف كروية مدببة
ايضاً مثل اختها . و لاجل المحافظة على
الشكل الهرمي قام المعمار بلم البناء صعودا بمقدار اربع درجات في المتر , و قد ادى
هذا اللم الى ابتعاد جداري الغرفتين المتجاورتين في المكان الذي يلتصق كل منهما
بالاخرى و عالج المعمار هذه الحالة بتسقيف الفاصل بقبو نصف اسطواني عندما صار خط
الافتراق واضحا .
اما بقية الابنية فقد فعلت عوامل التخريب
الطبيعية فعلتها فأتت على سقوفها و الاقسام العليا من جدرانها فتراكمت الانقاض فوق
ما بقي من معالم البناء . و كشفت التحريات عن ارتفاع الجدران فكانت ما بين مترن
الى ثلاثة امتار حيث ظهرت معالم البناء كاملة .
المسجد :
يعد مسجد الاربعين اهم ما كشفت عنه التحريات
. و يكشف تخطيطه و عناصره المعمارية و تشكيلاته الزخرفية عن مكانة متميزة بين
مساجد العراق . فهو يمتد على طول الجدار الجنوبي الغربي و يشغل كامل المسافة بين
غرفة الضريح و اخرى تناظرها في المساحة تحتل الركن الجنوبي الشرقي .
و المسجد هذا مستطيل الشكل طوله من الشمال
الى الجنوب 17.60 مترا و عرضه 7.60 مترا و مجنبتين متناظرتين طول كل منهما عشرة
امتار (لوح 2 ) و مصلى المسجد بلاطه واحدة مستطيلة
يتوسطها المحراب . و ما تبقى منها , و بخاصة الحنايا الركنية , يشير الى وجود قبة
كانت تسقف كل بلاطة المحراب . و هذه القبة بداية لنوع جديد من تسقيف بلاطة المحراب
بقبة .. و يتوسط بيت الصلاة هذا محراب جميل يشبه تكوين محراب غرفة القبر و زخرفته (مخطط 4 ) عقدة محاري مفصص تؤطره و المحراب حنية ذات عقد مدب يستند طرفاه
الى زوج من الاعمدة شبه اسطوانية مندمجة . و على كوشات العقود و باطن الحنية
الكبرى تشكيلات من زخارف نباتية محفورة على الجص بطريقة مائلة و هناك أيضا بقايا
مشاكٍ . و حنايا تزين أعلى جدران بيت الصلاة و توصل بين بيت الصلاة هذا و كل من
المجنبتين فتحتان ذات عقود مدببة . و يلاحظ وجود ثلاثة محاريب غير عميقة في
المجنبة اليمنى و محرابين في المجنبة اليسرى .
و الدخول الى المسجد يكون من ستة مداخل توصله
بباحة البناء , و يؤدي اثنان من هذه المداخل الى بيت الصلاة و هما متناظران يحصران
بينهما حنية تقع على الخط المحوري للمحراب الرئيس و الظاهر انه محراب صيفي . و
تتناظر ايضا مداخل المجنبة اليمنى و المجنبة اليسرى ( لوح 3 ) .
و تشغل الركن الجنوبي الشرقي من جدار القبلة
غرفة نربعة تناظر غرفة القبر مساحةً و يحتمل انها كانت مسقوفة بقبة و يمكن الدخول
اليها من مجنبة المسجد اليسرى و لها باب اخر يتوسط جدارها الشرقي و يؤدي الى غرفة
مستطيلة تقابل غرفتين على الجدار الشمالي الغربي , و يمكن الدخول الى هذه الغرفة
من بابين يطلان على الصحن و تحت هذه الغرفة سرداب .و يجاور هذه الغرفة من الشرق
ايوان مفتوح يقابل ايوانا في الجدار المقابل . و اهم الابنية في هذا القسم هو مدخل
العمارة و البناء الذي يجاور الايوان من جهة اليسار و الذي يختلف عن الايوان في
التكوين العماري و العناصر العمارية و الزخرفية و لكنه يتقارب معه في المساحة .
و يتوسط الايوان مدخل البناء . و المدخل
بهيئة بهو عرضة ثلاثة امتار و عمقه خمسة أمتار . و يتسم ببروز واجهته الخارجية من
مستوى وجه الجدار و تدعمهما دعامتان مستطيلتان فخمتان بعض الشئ . و يظهر أنهما
كانتا تحملان سقف مظلة تتقدم المدخل .
( لوح 4 ) و عقد المدخل مدبب مطول يستند طرفاه الى
أعمدة ذات اشكال معينة , و تحف بالبهو دكتان من اليسار و اليمين , و تشغل جوانبه
حنايا ذوات عقود مفصصة و محارية تستند اطرافها الى اعمدة منفردة و زوجية مندمجة ,
و تزين اجزاء من جدران البهو زخارف نباتية جميلة محفورة على الجص . و يقود البهو
الى الصحن و عن طريق مدخل عقدة مدبب مطول يشبه تماماً عقد بداية البهو . و قامت
هيئة فنية في مديرية الآثار العامة قبيل سنوات بعقد سقف هذا البهو بهيئة نصف
اسطوانية مدببة قليلاً .
و مما تجدر الاشارة اليه ان عقود المداخل
التي تطل على الصحن و التي تهدمت جميعها تستند اطرافها الى اعمدة شبه اسطوانية
مندمجة فردية احيانا و زوجية احيانا أخرى .
اما ابنية يسار المدخل فتتألف من اربع غرف
ثلاث منها صغيرة تتصل كل منها بالصحن بباب مستقل و تتصل بعضها بأبواب اخرى ..
و يوجد امام البناء النهري الذي يشغل الركن
الشرقي بئر . و يظهر ان هذا اللقسم مخصص للخدمات , من طبخ و استحمام و غيرها .
اما ابنية الجدار الشمالي فتختلف عن بقية
الابنية فهي تتألف من عدة دعامات مستطيلة لا تبرز كثيرا عن مستوى وجه الجدار و
تبلغ المسافة بين دعامة و أخرى نحو مترين و نصف و جعلت الاقسام السفلى منها بهيئة
دكات ترتفع 70 سنتمتراً على مستوى وجه الارض و يحتمل جداً انها دكات جلوس .
نعود الى وصف الغرف المشيدة لصق الجدار
الشمالي الغربي فهناك فهناك غرفة مربعة تجاور غرفتي المشهد و يمكن الدخول اليها من باب تطل على الصحن و
اخرى تربطها بالغرفة المجاورة لغرفة القبر و يجاو هه الغرفة ايوان يناظر الجدار
الجنوبي الشرقي كما ذكرنا بعرض اربعة امتار و الى اليسار قاعة تتألف من ثلاث غرف
تنفتح على الصحن ببابين و يبلغ طولها 13 متراً و تنتهي ابنية هذا القسم بغرفة
مربعة تحتل الركن الجنوبي الشمالي و تتطابق تماماً في المساحة و الشكل مع غرفة
القبر و يحتمل جدا انها كانت مسقوفة بقبة و يكون الدخول اليها من الصحن مباشرة .
و السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو ما هوية هذا
البناء ؟
هل
هو مدرسة أم مشهد ؟
و ما
تاريخه ؟
ان تخطيط البناء و طرازه المعماري يؤشر اسلوب
البناء الذي انتشر في العراق قبل الاسلام و زاد الاقبال عليه في العصور الاسلامية
, و نعني بذلك صحنا تحيط به الابنية من جميع الجوانب و تنفتح عليه بأبواب مباشرة .
اما عناصره المعمارية و تشكيلاته الزخرفية فأنها تظهر شبهه بطراز مشهد مجمد الدوري
الذي شيد ما بين 478 هـ / 1085 م , 493 هـ / 1100 م .
فغرفة القبر التي تجاورها شبه الهرمين هي
استمرار لغرفة القبر في مشهد الامام محمد الدوري و كذلك العناصر الزخرفية و
العمارية .
ان وجود قبر فخم في غرفة مهمة يؤكد ان البناء
مَشهدٌ اُقيمَ احتراماً و تمجيداً لأربعين شهيدٍ سقطوا في تحرير تكريت عام 16 هـ /
637 م . . و يُحتمل ان احد حكام مدينة تكريت قد أعادَ بناءَ المشهَدِ و جَعَلَه
مدرسة , في الوقت نفسِهِ لتدريسِ عُلومِ الدينِ إذ يوضِحُ هذه الحالة تَخطيط
البناء على نحو عام ففيه مسجدٌ مهمٌ جداً و عدد من الغرف لا يَزيدُ على عشرِ غرفٍ
لامور التدريس ثم أيوانان مُتقابلانِ يُؤكِدانِ الغايَةَ من تشييدِ هذا البناء و يَقودُنا
ذلك الى القولِ ان البناءَ هو مشهدٌ و مدرسةٌ في الوقتِ نفسِهِ و هناك امثلة كثيرة
في تاريخ العمارة العربية الاسلامية لمثل هذه الحالة .
و قبل بحث تاريخ البناء تجدر الاشارة الى
العناصر المعماريةِ و الزخرفيةِ في هذا البناء فالـقبتانِ المتجاورتانِ عنصر جديد
في هذا المجال اضافة الى ذلك جمع المعمار جملة من العناصر المعمارية التي سادت و
انتشرت قبل بناء الاربعين فطور بعضها و ابدع و اضاف اليها قباباً كرويةً مدببةً و
عقوداً مفصصة و مدببة مطولة و حنايا محارية و مشاكي بهيئة شموع و محارب فخمة جميلة
و حنايا بهيئة مقرنصات و أعمدة شبه اسطوانية مفردة تارة و مزدوجة تارة اخرى . كُلها
جمعت في بناء واحد و بصورة متناسقة و جميلة .
و لم يفت المعمار تحلة البناء بتشكيلت زخرفية
تتألف من اغصان نباتية تلتف و تنتي بأنصاف مراوح نخيلية حفرت على طبقة من الجص و
بطريقة مآئلة و تم استخدام بعض العناصر المعمارية لاغراض زخرفية .
ان مقارنة العناصر المعمارية , مثل الحنايا
المحارية و المحاريب ذات العقود المفصصة و القبة الهرمية و التشكيلات الزخرفية ذات
الحفر المائل بما هو معروف منها في ضريح الامام محمد الدوري و غيره من الابنيه
التي تعود الى فترة بناء هذا الضريح يكشف بوضوح ان بناء الاربعين قد شيد في الربع
الاخير من القرن الحادي عشر الميلادي . و توصل الى ذلك كل المتخصصين في العمارة
العربية الاسلامية , و مما اكد هذا الاحتمال الاكتشاف الذي وجده الاستاذ الدكتور
عبد العزيز حميد في ذريح حماد في محافظة التأميم ( كركوك ) قرب ناحية الحويجة و
هذا الضريح مؤرخ من الربع الاخير من القرن الخامس الهجري , و هناك تشابه واضح جدا
في المحراب و الحنايا المحارية في هذا الضريح مع محراب ضريح الاربعين و حناياه , و
المشار اليه في المبحث اللاحق .
و تجدر الاشارة هنا الى احتمال وجود اكثر من
مدرسة في تكريت فقد ورد نص يذكر " مدرسة همامية " نِسبَةً الى همام
الدين تبر بن علي أمير تكريت المتوفى سنة 578 هـ / 1182 م . و جاء اسم هذه المدرسة
في ترجمة حياة فخر الدين ابي المكارم عيسى
بن مودود بن علي بن عبد الملك بن شعيب التكريتي صاحب القلعة الذي قُتِلَ عام 584
هـ / 1188 م . و دُفِنَ بالمدرسة الهمامية
.
و معروف عن عيسى هذا أن لَهُ شعراً حسناً و
له رَسائِلَ مَطبوعة و قد كان كريماً سَمحاً و بعد مقتله سَلَمَ أَحَدَ أخوتِهِ
القَلعة الى الخليفة العباسي الناصر لدين الله عام 585 هـ / 1189 م . و كان عيسى
هذا إبن أخ همام الدين تبر و زوجَ أبنته . و سوف نوضح هذا في المبحث الآتي .
و هناك قَضية مهمةٌ أخرى في بناء الاربعين هي
تخطيط مسجده و بناؤه , فنجد في هذا المسجد اقدم مثل القبة تغطي المصلى فيه , و
ينفتح المصلى فيهِ على مجنتين بعقدين لكل منهما .
و نرى هذه الصيغة في جامع مجاهد الدين قيماز
في الموصل الذي انشأ عام 576 هـ / 1180 م
. اي بعد مسجد الاربعين بنحو قرن .
مصادر البحث :
1 – ابن الأثير ( محمد بن محمد بن أحمد
القرشي ) , الكامل في التاريخ , ج 14 , القاهرة 1377 هـ / 1957 م .
2 – حميد ( د. عبد العزيز ) , عمارة الاربعين
في تكريت في ضوء حضائر مديرية الآثار العامة , سومر مجلد 21 , 1965 م .
3 – سلمان ( د. عيسى ) مشاهد و ترب , في
حضارة العراق , ج 9 , بغداد 1985 م .
4 – سلمان ( د. عيسى ) عبد الخالق ( هناء )
العزي ( نجلة ) يونس ( نجاة ) , العمارات العربية الاسلامية في العراق , كويت 1982
م .
5 – ابن الفوطي ( عبد الرزاق ابن احمد ) ,
تلخيص مجمع الآداب في معجم الانصاب , تحقيق مصطفى جواد , دمشق 1965 م , القسم الثالث , الجزء الرابع ,
ص 275 – 276 .
لوح 1 : غرفة القبر و مجاوراتها قبل اكمال اعمال البناء في سنة 1994 / تكريت |
لوح 2 / واجهة مسجد الاربعين و محرابه قبل الصيانة / تكريت |
لوح 3 . الاربعين بعد الصيانة / تكريت |
لوح 4 : مدخل بناء الاربعين قبل اكمال صيانته و ترميمه عام 1994 / تكريت |
مخطط 1 : تخطيط بناء الاربعين |
مخطط 2 : محراب مسجد الاربعين / تكريت |
مخطط 3 : التشكيلات الزخرفية و العمارية التي تزين غرفة القبر و مجاورتها من الداخل/تكريت |
مخطط 4 : محراب المسجد و التشكيلات الزخرفية التي تزين بيت الصلاة فيه / تكريت
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اكتب رأيك او اضافتك هنا